أخر الموضوعات

السر الأول:الجزء الأول اتق الله يذهلك بعطاياه

السر الأول: اتق الله يذهلك بعطاياه.

     بداية عزيزي القارئ ، دعني أسالك وأسال نفسي ، وهو سؤال يتبادر إلى أذهان الكثيرين منا : ما علاقة التقوى بالنجاح؟ وهل المتقي فقط هو الذي ينجح ؟ مع العلم أننا نلاحظ بان هناك أشخاص كثر لا ارتباط لهم بالله عز وجل (يهود ، نصارى ، عصاة ، ملحدين ...)  وبالرغم من ذلك فهم ناجحون في حياتهم بالطبع نحن ننظر إلى  النجاح عامة وليس النجاح السعيد.
 لا تتعجل الإجابة عزيزي القارئ ، فأنا متفق معك تماما ولكن دعني بداية احدد لك العلاقة بين النجاح والتقوى : نعم بالتأكيد هناك علاقة أكثر من وطيدة بين التقوى والنجاح ، فلكي تنجح يجب عليك وعلي أن نتقي الله جل في علاه .بالطبع أقول لك يجب عليك لأنني على يقين تام بأنه لديك مبادئ ، ولأنك مسلم قبل كل شيء وقبل كل هذا فأنت تستحق أن تنجح وأن تبرز وتتميز ، لأن الله تبارك وتعالى قد كرمك وجعلك في أعلى مرتبة وفضلك على كل مخلوقاته، فقال تعالى :۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)"سورة الإسراء الآية.
  قارئي العزيز ربما تسأل وتقول لي : أنا اعرف أشخاصا كثر ناجحون لكنهم منحرفون تماما عن طريق الله عز وجل . نعم أخي، أختي أنا أوافقك في هذه النقطة بالذات وأعطيك جوابا شافيا إن شاء الله لذلك: فانا شخصيا اعرف أشخاصا لا ارتباط لهم بالله جل في علاه وبالرغم من ذلك فهم ناجحون ، السر هنا يكمن في كونهم يأخذون دائما بالأسباب ويعرفون كيف ينجحون، لكن هناك نقطة مهمة جدا دعني أسالك عنها لو سمحت :هل سألت أو تساءلت يوما ولو مع نفسك ، هل يعيشوا هؤلاء الناس الذي نعتقد أنهم ناجحون ، بالفعل السعادة التي يبحث عنها كل إنسان منا في هذه الحياة .
   أنا وأنت وكل الناس على يقين تام بان هؤلاء الناس لا يعيشون السعادة الحقيقية ، لماذا ؟ لان الإنسان كمخلوق يحتاج إضافة إلى الحاجيات العضوية والحيوية (كالطعام والشراب..) إلى غذاء روحي رباني ألا وهو ذكر الله والتمسك بحبله الذي لا ينقطع، لان النفس البشرية ذات الفطرة السليمة ، لا ترتاح ولا تسعد _ سواء نجحت أم لم تنجح دنيويا _ إلا بخالقها وبارئها ، ومن تم أقول لك عزيزي القارئ ولنفسي بأنه إن لم نتق الله ونتمسك بحبله المتين ، فإننا وإن أخذنا بكل الأسباب سننجح نعم لكن هذا النجاح سيكون بالتأكيد ناقصا جدا وستكون حياتنا مشوشة لأننا لم نحقق التوازن المنشود(بين المادي والروحي) والنجاح المرغوب وهو ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى ، إذ يقول جل في علاه:وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) سورة الطلاق.
     أؤكد لك عزيزي القارئ بان الله لما كرمك وفضلك على كثير ممن خلق ، فإنه يبتغي من وراء ذلك شيئا واحدا هو نجاحك في الدنيا والآخرة ، ويريد لك أن تسعد بحياة هنيئة لأن هذه الحياة لا تستحق أن نحزن عليها ولا أن نعيشها معيشة الأنعام ، لان حتى هذه الأخيرة تعيش حياة سعيدة أفضل مما يعيشها الإنسان في بعض الأحيان، وتسبح لله وتخضع لمشيئته من حيث لا ندري. فكيف بي وبك كانسان نحزن أحيانا لهذه الدنيا الفانية التي لا تساوي جناح بعوضة ، ونبخل على الله تعالى ولو بقول "سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده " ونحن نعيش في ملكه وعلى ملكه ونتنعم بنعمه.

دعني في الأخير وليس أخيرا أن أنصحك ونفسي بان تتقي الله في نفسك ، لأن تقواه تعالى والارتباط به عز وجل سيحقق لك نجاحا لم تكن تتوقعه وسعادة مقرونة به تستمتع بهما في دنياك وتؤجر عليهما في آخرتك في جنة الفردوس مع خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.
  ربما تسألني عزيزي القارئ وتقول لي : بأنني لدي هدف في حياتي  أريد تحقيقه ، لكن كيف سأحققه بتقوى الله ؟ أقول لك كما قال رب العزة :"فإذا عــزمت فـتوكـل عـــلى الله " . نعم يعني انك إذا قررت قرارا قاطعا وأخذت عهدا على نفسك بان تحقق أهدافك وتبتغي العلى وتأخذ بكل الأسباب ، فعليك أن تعتمد في ذلك على رب العباد . واسمع لهذا:
تعيس فاشل من يظن  بأن الأسباب وحدها هي سبيل النجاح والسعادة.
     يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي***فأرشدني إلى ترك المعاصي
واخبرني بأن العلم نـــور***ونور الله لا يهدى لعاص.
هذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب والتواكل بقدر ما يعني التوكل على الله تعالى والعمل والأخذ بأسباب النجاح ، يقول تعالى :" وهــزي إلـيك بجـدع النخلة ". وكأن الله تعالى يخاطبنا ويقول عليك أن تتوكل علي وبعد ذلك يجب عليك أن تأخذ بكل أسباب النجاح حتى تذوقه وتستمتع به وتشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تنقضي.
    وبذلك أخي القارئ أختي، فالأسباب ليست هي السبب الوحيد لنجاح الإنسان نجاحا حقيقيا وإنما السبب الأول هو مسبب الأسباب الله عز وجل ، عندما يخلص العبد نيته ويفوض أمره لله الذي يعلم ما تحتاجه نفسك أكثر من نفسك لأنه تعالى هو خالقها ومبدعها ، لكن من الناس من يفتن بالأسباب وينسى مسبب الأسباب فيصاب بالفوضى والاكتئاب وربما يهلك دون أن يبلغ مراده الذي رسمه لنفسه في هذه الحياة الفانية .
   
ومن هنا أقول لك عزيزي القارئ بأنك تعرف تمام المعرفة أشخاص وهم قريبون منك جدا، لديهم المال ، الأولاد والجاه والحسب ...بالطبع فهم ناجحون في الحصول على الماديات، لكنك تجدهم دائمي الشكوى سماهم في وجوههم من اثر الحزن والشقاء والتعاسة، بالتأكيد لأنهم لم يربطوا نجاحهم بمسبب الأسباب ومسبب هذا النجاح، وعلى العكس من ذلك تماما فانك تجد أشخاص فقراء متواضعون ولا يملكون شيئا مما سبق ذكره ، لكنك تجدهم يملكون وجها طلقا بشوشا مبتسما بنور الإيمان فإذا نظرت إليه ابتسمت لابتسامته، وسعدت للقاه والتحدث في حضرته، بالفعل هذا هو النجاح الحقيقي الذي يحقق لصاحبه الراحة والطمأنينة مقرونتين بسعادة لو علمها الأغنياء لحاربوهم عليها بالسيوف ، لان السعادة هي مطلبنا ومبتغانا.
    ليس حراما ولا ممنوعا أن تبتغي ونبتغي جميعا تحقيق أهداف دنيوية مشروعة (وظيفة،منزل فخم،...) لكن والله من التعاسة والحرام والشقاوة بمكان أن نبتغي ذلك ونحصل على ما نريد ولا نبتغي في ذلك وجه رب العزة جل في علاه ، أقولها بكل حب وتقدير لقيمة الإنسانية التي تجمعنا والأخوة التي تجمعنا في دين الإسلام ، يجب أن ننجح ونبتغي ذلك بالله ولله وبالتوكل على الله، لأنه إذا ابتغينا في نجاحنا إرضاء إنسان (إرضاء الناس غاية لا تدرك)، فإننا سنعيش تعساء لان هذا الإنسان لن يرضى عنا ابد الآبدين مهما قدمنا له وعانينا في إرضائه وابتغاء التودد إليه ، بل كن كما قال الله تعالى:" وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك " ،  وكما قال احد السلف الصالح  :"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا "وأقرا معي هذه العبارة التي تجعلنا متحفزين للتمسك بقيمنا وأخلاقنا .
لتكن لك عزيزي القارئ قيم ومبادئ عليا تتمسك بها حتى لا تعيش كالضال لا يعرف له سبيل ، تعش لهواك ولسيطرة الإنتهازيين والأغبياء.
كل ما قلناه عزيزي القارئ يصب في مفهوم  واحد هو الطاقة الروحانية فأجمل ما في هذه الطاقة هو الارتباط بالله جل في علاه والاعتصام بحبله الذي لا ينقطع ، فعلى الإنسان أن يكون دائم الاتصال بالله تعالى مهما كان اسمه أو نسبه أو جنسه أو جنسيته أو منصبه ، لان ذلك هو سبيل الخلاص وسبيل النجاة من مخاطر هذه الحياة التي لا راحة فيها 'ولقد خلقنا الإنسان في كبد ' يقول الله تعالى: "واتقوا الله ويعلمكم الله" سورة البقرة الاية281
   
سأنتقل بك عزيزي القارئ لنفصل مع بعضنا المقولة الثانية :هناك أشخاص ناجحون في حياتهم لكن ليس لهم طاقة روحانية أو ارتباط روحاني بمعنى أصح لا يعيرون اهتماما لتقوى الله تعالى، فهم يركزون على الأخذ بالأسباب في تجاهل تام بمسبب هذه الأسباب.بالفعل فأنا متفق معك، فهذه النقطة بالذات لا يختلف فيها اثنان عاقلان بالطبع فالنماذج كثيرة في هذا العالم ، فهاهم الكافرون بالله  قد بلغوا ما بلغوا إليه وحيزت لهم الدنيا بحذافيرها وحصلوا على كل الماديات الفانية ...بالطبع فقد حصلوا على ذلك بالعلم والعمل والبحث والكد والاجتهاد، وهذه سنة الله في أرضه:- من جد وجد ومن زرع حصد ومن لم يجد ويجتهد لن يجد، ومن لم يزرع لن يحصد إلا الفشل والفراغ والأشواك التي سيتألم بها لاحقا- ومن يأخذ بأسباب التوفيق والنجاح يحصد نتائج من نفس النوع ومن يعاني يجازى بقدر معاناته بغض النظر عن دينه أو عرقه لان الله جل في علاه اسمه العدل. فلو كان مثلا: رجل مسلم يملك قطعة أرضية بجوار قطعة أرضية أخرى يملكها رجل كافر بنعم الله عليه ، وحان موعد الحرث ، إذ أن الرجل الكافر اخذ بكل الأسباب ليحصل على اكبر وأجود منتوج (استخدم الآلات الحديثة، الأسمدة، المبيدات...)، لكن الرجل المسلم تهاون في الاهتمام بأرضه وزرْعها، دعني أسالك الآن عزيزي القارئ : من في نظرك سيحصل على أجود منتوج واكبر كمية منه؟ أنا متأكد من جوابك فأنت ستقول لي إنه الرجل الكافر ، لأنك منطقي في التفكير والحكم على الأمور ، لماذا ؟ا لجواب واضح أخي وأختي : لأن المسلم تهاون، أما الكافر فقد جد وكد وتعب وحاش لله أن يضيع تعبه هباء إنه العدل سبحانه الحق الصمد، السر إذن يكمن في كلمة واحدة هي الفعل، العمل والأخذ بالأسباب.
    دعني أسالك الآن سؤالا : ما هو الشيء الذي تبحث عنه؟: بالطبع نحن جميعا نبحث عن كلمة واحدة هي السعادة الحقيقية، في نظرك هل هذا الرجل الكافر قد نجح بالفعل وحصل على السعادة التي يتمناها كل إنسان؟ بالتأكيد فهو قد نجح ماديا فقط وحقق سعادة مادية مؤقتة سرعان ما تندثر وتموت بعد حين ووقت وجيز ، لكن لم يحقق السعادة الروحية التي تكمل السعادة بالنجاح المادي، ولهذا فأنا اقسم لك برب العزة بأنه لم ولن يذوق طعم السعادة الحقيقية وطعم النجاح وهو بعيد عن هدى الله المستقيم وسيعيش تائها كالأنعام أو أضل سبيلا ، لأن الفطرة البشرية سليمة ولن تطمئن وترتاح إلا بجوار ربها وخالقها وبارئها، والتمسك بهداه جل في علاه.
  إذن ما قيمة أن انجح وتنجح وتحقق كل ماديات الحياة: وظيفة، بيت فسيح،سيارة فاخرة، ... وأنت تعيس تشمئز منك النفوس الطاهرة التقية، ما قيمة كل ذلك وربما يكون هذا النجاح المادي المؤقت هو السبب الأول في اكتئابك وتذمرك ونهايتك،لنفكر منطقيين ولا نخدع أنفسنا بقشور الأمور وظواهر الأشياء،  في سر هذه الحياة الغريبة المعجزة لعقول الأباطرة الأذكياء، وهنا حضرتني قولة احد الأقارب (ح.ب.) :' ما قيمة المال الذي لا يسعدني في الدنيا ولا يدخلني الجنة في الآخرة وينقذني من شر لظى' تخيل معي المال وكل الماديات يمكن أن يكون سببا في تعاستك وليس هذا هو الأخطر وإنما الأمرالأخطر منه هو أن يكون سببا في دخولنا النار، أو تحب  أن تكون تعيسا ! أو تقترب حتى من حر النار (نار الدنيا فقط.) فما بالك بنار الآخرة ، الحل عزيزي القارئ بين يديك: اجتهد دوما وما دمت حيا، بأن تعمل على إقامة توازن بين نجاحك الدنيوي المشروع ونجاحك الروحي الأخروي : عسى أن يكون قريبا، خذ من دنياك وتزود بتقوى الله :' وتــزودوا فـان خـير الـزاد الـتقوى' ، لتنجح به في امتحان الآخرة، وخذ من هدي الله تعالى لتسعد به في الدنيا والآخرة، غذ نجاحك بذكر الله والتسبيح له تعالى وشكره وحمده والتزم في ذلك ، يقول إبراهيم الفقي رحمه الله تعالى، في هذا الصدد:
" على العاقل أن يسخر دنياه لآخرته وان يحذر من أن يكون اهتمامه بالمادة طاغيا على بقية اهتماماته في الحياة"

_على العاقل ان يسخر اهتمامه بالتغذية الروحانية_

ليست هناك تعليقات