السر الثامن: العمل والفعل = النجــاح بالفـعـل / العمل أثمن كنز
السر الثامن: العمل والفعل = النجــاح بالفـعـل / العمل أثمن كنز
قال تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
بادئا ببدء ، عزيزي القارئ ، دعني أسألك: هل تستطيع أن تحقق أهدافك، بعدما رسمتها وكان املك قويا وثقتك بنفسك عالية، ووضعت خطة مدروسة لتنجح ، لكنك لم تضع هذه الخطة في الفعل ولم تأخذ بأسباب النجاح؟ بل تركت كل أسرار النجاح التي تعرفت عليها وستتعرف عليها، حبيسة الورق ولم تطبق منها مقدار ما يجعلك ناجحا فعلا .
يقول الله جل في علاه وهو يخاطب مريم عليها السلام، لما كانت في حالة مخاض عند جدع النخلة: "وهزي إليك بجدع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ": هل تعتقد معي أن جدع النخلة تستطيع أن تحركه امرأة ؟، وليست أي امرأة عادية ، بل امرأة في حالة مخاض وولادة، فهي بالطبع في اضعف حال، هل تعتقد معي كذلك أن أربعة رجال يستطيعون هز جدع النخلة القوي ؟، مؤكد لن يستطيعوا: لكن بعض الحكم التي يريد أن يعلمنا الله إياها من هذا الخطاب؟، فهو يريد أن يعلمنا جل في علاه بان الأخذ بالأسباب ضرورة حياتية لا مفر منها، فلقد كان بإمكانه عز وجل، وهو القادر أن ينزل على مريم عليها السلام، الطعام والشراب بدون أن يأمرها أن تهز الجدع ، لكنه جل في علاه أراد بهذا أن نستفيد نحن وتكون لنا مريم عليها السلام قدوة وعبرة في حياتنا ، قدوة العمل والفعل والأخذ بكل أسباب النجاح مع التوكل على الله، بدل الشكوى والاتكال على الغير في ابتغاء التقدم والنجاح في أي شيء.
أن يكون لك هدف وثقة بنفسك ورغبة مشتعلة لتحقيق هذا الهدف وأمل مشرق وخطة مدروسة هذا كله رائع، لكن إذا لم يوضع كل ما ذكر في الفعل فلن تحقق أي شيء.
دعني أعطيك مثالا بسيطا : أنت الآن لديك سيارة (قل إن شاء الله ، ستكون بإذنه تعالى)، وأردت أن تسافر إلى مدينة ما(هذا هو هدفك) وتوكلت على الله في ذلك وأنت واثق بنفسك بأنك قادر على الذهاب إلى تلك المدينة ولك رغبة مشتعلة بان تستمتع بجو تلك المدينة الرائعة أنت وأسرتك، وتتوقع بان هذه الرحلة ستمر في أحسن حال وستكون ممتعة، ووضعت مع زوجتك/زوجك خطة للوصول إلى هذه المدينة وحددت وقت انطلاق هذه الرحلة ، لكن بمجرد أن حان موعد السفر غرقت في سبات عميق ولم تستيقظ في الوقت المناسب ، ومن تم لم تطبق الخطة التي رسمتها بل بقيت خطتك مجرد أفكار نظرية أو مكتوبة حبرا على ورق، بالله عليك فهل ستصل إلى المدينة الرائعة وهل ستستمتع حقا بجوها اللطيف؟ بالتأكيد لن تصل ولن تحقق هدفك وأنت في سبات عميق، لماذا لأنك لم تأخذ بالأسباب وأسباب السفر ، ولكني أقول لكل من يقرا حروفي هاته: ' انه للعب وهروب من الحقيقة أن تندب حظك عندما تستيقظ من سباتك العميق ' لأنك أنت السبب في فشلك لأنك نمت متأخرا جدا : فهنيئا لك الفشل في هذه الرحلة يا أخي العزيز، لكني في نفس الوقت أبشرك بأنك ستغير حالك وستجتاز بنجاح هذه العادة السلبية، " إن الأمر البالغ الأهمية في هذا الصدد يكمن في كلمة واحدة هي الفعل والتنفيذ" : أي أن تطبق ما خططت له وبشكل كامل دون حذف أي بند من بنود الخطة التي درستها ورسمتها لبلوغ مرادك.
فالفعل والتطبيق عزيزي القارئ هو " الطريق إلى القوة" كما جاء في كتاب' المفاتيح العشرة للنجاح' لإبراهيم الفقي ،
وكما يقول –جوته- :' المعرفة وحدها لا تكفي ، لابد أن يصاحبها التطبيق ... ، والاستعداد وحده لا يكفي فلا بد من العمل '.
الخطة بلا فعل كالشهد بلا نحل: فما فائدة
الشهد الفارغ.
دعني أسالك سؤالا : هل من المنطق والرجولة ، أن تعرف بالضبط ماذا تفعل لتغير حياتك للأفضل ، ومتى تفعله، ولكنك لا تستطيع أن تحرك ساكنا ؟ انه لحماقة وتواكل أن تكون لك معرفة تامة وغزيرة وتعرف ماذا تريد ومتى وأين ! انه لألم مر كما يقول سقراط: 'أمر الآلام عند الناس أن يكون عندهم معرفة غزيرة ولكنهم لا يتصرفون".
فلتكن لك خطة مدروسة ، تقتصد فيها من كلامك وتكثر فيها من فعلك، لان :" الرجل السامي يتواضع في كلامه ويكثر في فعله"- كونفوشيوس-.
يقول الله تعالى :{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} سورة آل عمران الآية 159.
"الحكمة أن تعرف الذي تفعله والمهارة أن تعرف كيف تفعله والنجاح هو أن تفعله'
ويقول المثل : - الكلاب النباحة نادرا ما تعظ-، فبعض الناس بالفعل كلاب نباحة لا تعظ أبدا يتكلمون أكثر مما يصمتون ومما يفعلون، إن لم نقل لن يفعلوا شيئا ، إلا ثرثرة تزيد في تعاستهم وذلهم، قال والد إبراهيم الفقي رحمهما الله تعالى:
"الحكمة أن تعرف الذي تفعله والمهارة أن تعرف
كيف تفعله والنجاح هو أن تفعله'
حتى لا أطيل عليك عزيزي القارئ فالنجاح كله مبني ومتعلق بكلمة سر أساسية وجوهرية إنها الفعل والعمل، النجاح مسجون حتى يتحرر العمل وتضع الخطط موضع الفعل .انه سنة الله الكونية بين خلقه : فكن ابن من شئت واسكن اين ما شئت واعتقد ما شئت : فإن أردت أن تنجح وتحقق ما ترغب فيه من أهداف دنيوية وأخروية فعليك بالفعل بالعمل الكنز الحقيقي للنجاح . فهل حصل أن التقيت شخصا لا يتحرك من بيته وقوت يومه يصل إلى باب منزله ، أو شخص حصل منصبا هاما بالنوم والخمول، وهل سبق لك أن شاهدت طائرا (غير عاقل) وله خمسة فراخ تقبع في عشه ينتظر مجيء الرزق ، بالتأكيد تجد العكس إنه يبحث بكل نشاط وعزيمة عن رزقه وقوت عياله.
نعم عزيزي القارئ فكل الحكم حوالينا في خلق الله : لاحظ معجزة
النحل والنمل الذي لا يتعطل لحظة واحدة عن العمل، في عمل مستمر وتعاون معجز، فكيف بي وبك الذي ميزنا الله تعالى بالعقل على كل مخلوقاته، وكرمنا وفضلنا على كل خلقه: لنأخذ العبر من الكون من حوالينا.
دعني الآن اضرب لك مثالا بسيطا ، فلو أن لك قطعة أرضية خصبة وأنت الحمد لله ، مسلم بالتأكيد، وبجوارك شخص كافر بالله يملك ارض زراعية تلتصق بأرضك،، وحان موعد الحرث: فأما الكافر فقد كد وجد وعمل ليل نهار وقلب الأرض بأحدث الآليات واستعمل أفضل الأسمدة والحبوب..، أما أنت المسلم حرثت أرضك حرثا خفيفا فيه كسل وتشاؤم وتركتها ولم تهتم بها إلى حين موعد الحصاد ، في نظرك من منكم سيحصل على اكبر مردود ومنتوج فلاحي؟ بالطبع أنت تعرف الجواب أكثر مني : انه الكافر بالله ، لأنه جد وعمل بعزيمة واجتهاد ، ولأنه جد فوجد ، زرع فحصد نتيجة عمله المتواصل، أما أنت فلم تجد إذن لن تجد ولم تزرع فبالطبع لن تحصد إلا بمقدار ما زرعت .
فهل تعتقد أخي، أختي بأن أحدا يتصدق على احد بالنجاح، والله ما بالإمكان:- لن يتصدق عليك أحد بالنجاح إلا إذا تصدقت على نفسك بالعمل والفعل والأخذ بأسباب النجاح مع التوكل على مسبب النجاح -.
لا تنافق نفسك وتخذلها عزيزي يا من ترغب التغيير ، تقول لنفسك سوف يساعدني فلان أو...(خالي ، خالتي ، عمي ،عمتي ، أبي، ابن خالتي، زوج خالتي..)، سوف اعتمد على شراء سيارة ، منزل ...على الناس ، سأتكل عليهم لأحقق أهدافي ، والله هذه هي التعاسة بعينها، فانا أقول لك بان هؤلاء الذين ذكروا ووضعت ثقتك بهم ولم تضع ثقتك بمن صورهم وخلقهم ورزقهم، في تحقيق أهدافك،سيكونون أول من يساهم وسيساهم في تثبيطك وفشلك، ربما حبا فيك وربما كرها، وربما عن غير قصد..لأنك عزيزي القارئ إذا كنت متكلا فأنت عديم الفائدة تخالف سنة الله في أرضه ( لا تقل لي البلد ما فيه عمل وأنا دكتور أو مجاز أو...ولا استطيع العمل في أي حرفة) أقول لك ابحث وتوكل على الله ولا تحزن وتأكد بان الله يخبئ لك المفاجأة، يقول جل في علاه:" وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت"، لا تخالف سنة الله في خلقه، بالله عليك أنت أفضل مخلوق عند الله ولا تأخذ بالأسباب لتنجح: الله يريدك ناجحا سعيدا ، فقد ميزك بالعقل والمنطق ، فكيف بهذا التمييز وأنت تتواكل على الآخرين في أمور حياتك ونجاحاتك، بينما نجد ذاك الحيوان غير العاقل يعمل بجد أكثر مني ومنك، والأمثلة عزيزي القارئ كثيرة من حوالينا لا تعد ولا تحصى انطلق من اصغر حشرة (العنكبوت، النمل، النحل...) إلى أكبرها(الجمل، الحمار، الفيل..) فالكل نشيط متحمس بفعله وعمله باحثا عن قوت يومه ومعتمدا في ذلك على الله وعلى نفسه ، مستشعرا عزته بنفسه وثقته بها وبخالقه أمام كل المخلوقات الأخرى، وهنا تحضرني طريفة عن عمل الحمـار أوردها احد تلامذتي(يونس)،عنوانها :" شـــكوى الـحمـار":
وديانا اسلك وجبالا أعبر أنهارا وتلالا.
على ظهري أحمل أثقالا حطبا أحمل فواكه وخضارا.
أعمل أشقى ليل نهار يا كبار يا صغار اسمعوا شكوى الحمار.
فالكسل عندي ممنوع وجسمي من الضرب موجوع .
أعمل أشقى رغم الجوع أتألم وابكي بغير دموع.
أعمل أشقى ليل نهار يا كبار يا صغار اسمعوا شكوى الحمار.
بالتأكيد عزيزي القارئ فالعمل هو كنز النجاح وجوهره بعد التوكل على مقدر الأرزاق ومسبب الأسباب ، فاهتم بعملك ونجاحك بنفسك، يقول الإمام الشافعي في هذا :
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك.
وإذا قصدت لحاجة فاقصد لمعترف بفضلك.
وإذا قصدت لحاجة فاقصد لمعترف بفضلك.
إن معرفة كيف تسبح وقواعد السباحة
لا تنجيك من الغرق إن لم تكن سباحا بالفعل، وتذكر بأن قيمة المعرفة هي في
تطبيقها والاستفادة منها.
لماذا عزيزي القارئ نندب حظنا ونشكو ونسب الزمان ونقول تغير إلى الأسوأ ، بالفعل تغير الزمان بتغير أهله، فإذا تغيرت للأفضل يكون الزمان في تصورك أفضل ، وان تغيرت للعكس فالعكس بالعكس، يقول الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان بنا هجانا.
واختم لك عزيزي القارئ بما قاله عمر بن عبد العزيز:
إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.
كما يقول الــرسول الكــريم عليه أزكى الصـلاة والتسليم، فيما معناه:
إذا قامت الساعة ، وفي يد أحدكم فسيلة ، إن استطاع أن يغرسها فليغرسها.
أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.
ابتسم معنا
أستاذ قال للتلميذ : استعمل كلمة 'ذات' في جملة، فأجاب التلميذ قائلا: ولماذا أنا 'بالذات'.
فعش بالله ولله وابتسم للحياة.
ليست هناك تعليقات